السيدا اليوم أكثر انتشارا، لم يبقى مسألة أنه فيروس قادم من الغرب أو ذلك الداء المجهول عن مجتمعنا كونه أكثر تماسك ومحافظا من المجتمعات الغربية بفضل تقاليده وتعاليم الدين الحنيف.. لقد أضح الداء يهدد كل أفراد المجتمع في ظل انتشار الفيروس نتيجة توسع العلاقات الجنسية خصوصا ظاهرة الخيانة الزوجية، بالإضافة إلى المعارف الضيقة حول طرق انتقال الفيروس والعزوف عن تطبيق وسائل الحماية بين أفراد فئات الخطر.
أرقام متضاربة وحالات جديدة كل سنة
منذ تشخيص فيروس نقص المناعة المكتسبة "السيدا" عام 1981 توفى بسببه ما يزيد عن 20 مليون شخص في العالم، واليوم يوحد حوالي 65 مليون مصاب، ويسجل كل يوم نحو 16 ألف إصابة أي إصابة واحدة كل 5 ثوان، من بينها 8500 تمس الأطفال فقط.
المنطقة العربية تحصي نحو 540 ألف حامل للفيروس، وما بين 67 ألف حالة و200 ألف حالة عدد الإصابة الجديدة بالإيدز. وعالميا، فقد تم إحصاء 4 ملايين حالة جديدة، ووفاة 3 ملايين شخص خلال هذه السنة عبر العالم.
أما الجزائر فلم تعد بمنأى عن خطورة زحف هذا الداء، فمنذ أول ظهور لفيروس السيدا سنة 1985 توفي 282 شخص، فيما تم تسجيل حسب آخر الإحصائيات الرسمية 767 مصاب بالمرض و2092 حامل للفيروس، وخلال هذه السنة (2006) أحصيت 40 حالة جديدة و184 حامل للفيروس..
وعن الهيئة الوطنية لترقية الصحة، وتطوير البحث والمختص في طب الأطفال، يمثل الأطفال نسبة 2 % من مجموع الحالات المسجلة، فمند 1985 تم تسجيل 53 طفلا مصابا بالداء توفي منهم 33، نتيجة تحطم خلايا الجسم أكثر من الشخص الكبير، حيث يتوفى أغلبهم بعد سنتين أو ثلاث من ولدتهم، فـ 50% منهم يودعون الحياة قبل 5 سنوات، فيما يوجد حوالي 20 طفلا حاملا لفيروس السيدا، 4 منهم مرضى.
كما قدرت نسبة النساء الحوامل المصابات ما بين 0.2 و0.5 % من الحالات المسجلة، نتج عنها أن معظم حالات الأطفال المسجلة ناجمة عن انتقال المرض من الأم إلى الجنين أثناء الحمل.
من جانب آخر تشير التقديرات منظمة الصحة العالمية عن احتمال وجود ما بين 3 آلاف إلى 59 ألف شخص بين مصاب وحامل لفيروس السيدا في الجزائر، وحددت جهات أخرى نسبة 0.01 % من إجمالي عدد السكان جنسيا والذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 45 سنة يبقى الرقم الرسمي بعيدا جدا عن الحقيقة، بسبب امتناع الأشخاص عن التوجه إلى مراكز الكشف رغم سر ومجانية خدماتها ليعود الفضل أساسا إلى مراكز حقن الدم حيث يكتشف فيها هذا النوع من الإصابات.
وفي نفس السياق كشف "بوفيسة حسان" رئيس جمعية "تضامن إيدز" أن الأرقام المقدمة لا تعكس الواقع، كون عدد من المصابين يجهلون حملهم للفيروس، والدليل أن المغرب والذي يسجل نفس عدد المصابين كشف عن وجود أزيد 30 ألف حاملين للمصل، في حين أرقام الرسمية في الجزائر تشير إلى ما يقارب الألفين فقط. وعن الأرقام المتداولة حول أعداد المصابين، صرح البروفيسور كمال صنهاجي مختص في علم المناعة، أن الرقم الذي يعتد به أكثر في هذا الإطار فيما يخص الجزائر هو 0.07 % من الإصابة قياسا إلى التعداد العام للسكان، وهذا ما يعني وجود 700 مصاب مقابل كل مليون ساكن.
وفي ظل تضارب هذه الأرقام بين التضخيم والتقليص يسجل العارفون بملف السيدا والمتتبعون لمنحى الإصابات، ارتفاع مطردا في عدد الحالات المسجلة بمتوسط 50 حالة جديدة سنويا بالنسبة للمصابين مقابل ما بين 250 إلى 300 حامل للفيروس سنويا.
الكشف مجاني وانحصار في طرق العدوى
تضم الجزائر 07 مراكز متوفرة للكشف السري والمجاني عن داء السيدا منتشرة عبر عدد من ولايات الوطن منها مركز عنابة، تمنراست، وهران، مركزي الجزائر العاصمة : مستشفى القطار والمستشفى العسكري لعين النعجة. إضافة إلى تحمل الوزارة قرار إنشاء 42 مركزا آخر حتى تكون التغطية شاملة لكل ولايات الوطن. وهو ما يضمن الكشف المبكر عن الداء، أما عن الأدوية الخاصة بداء السيدا توفر الجهة الوصية أكثر من 32 دواء مسجل على مستوى الوزارة تدخل كلها في إطار التكفل بمرضى الإيدز.
فيما يشير المختصين إلى انحصار الإصابات في الشريحة العمرية ما بين 20 و44 سنة أكثر من غيرها مع تسجيل في السنوات الأخيرة تقارب يكاد يصل إلى 50 % بين الإصابات لدى الإناث والذكور عكس ما كان مسجلا عند بداية ظهور المرض.
وتبقى طرق انتقال العدوى رغم الحملات التحسيسية تعود أساسا إلى الجنس لتنحصر دائرة المعرضين للإصابة بهذا الفيروس في الدعارة والمدمنين على المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين. والملاحظة هو ارتفاع في النساء المتزوجات اللواتي يكتشفن الإصابة عند الولادة ويظهر أن سبب العدوى الزوج الذي يقوم بعلاقات غير شرعية، حيث رصدت دراسة ميدانية قام بها باحثون على عينة مكونة من 3044 امرأة حامل 16 حالة إيجابية المصل، أي بنسبة 0.35 في الألف من المجتمع أو بعبارة أخرى 2000 امرأة حاملة للفيروس في خمس ولايات من الشرق بما فيها ولاية عنابة.
وأمام هذا الواقع سطرت السلطات عدة تدابير للحد من انتشار الإيدز، من خلال برنامجا وطنيا لمكافحة السيدا عبر أربعة ميادين تتمثل في كيفية التعرف على وسائل الوقاية وتدعيم التكفل الطبي الشامل بكل المصابين بالمرض وتجنيد الحركة الجمعوية، مع تدعيم التسيير الكيفي للمعلومات، بالتزامن مع متابعة وتقييم البرنامج.
حالات من الواقع
كانت للشهاب وقفت في هذه المناسبة لكن على غير العادة مع مصابين بهذا الداء الخطير، فكانت لنا هذه الجلسة مع مصاب ومصابة على اختلاف طريقة عدواهم لكن المرض واحد.
البداية كانت مع المصاب ر. الذي صارحنا بمصدر العدوى ؟
قبل مدة كنت مقيم في خارج البلاد كنت إنسان عادي أما في الجزائر فالأمر يختلف لن تجد الظروف متاحة كما في الغرب، فعندما أقمت هناك تعرفت على شابة وعشت معها تقريبا عامين وقررنا الزواج وقبل ذلك كان لا بد الرجوع للبلاد لإعلام العائلة وهنا عرفت أني مصاب مع حدوث عدة مشاكل..
هل قمت بإجراء التحليل ؟
الحقيقة لا فبعد حصول مشاكل صحية ونقص حاد في الوزن وفقدان الشهية استشرت طبيب وشرحت له الظروف بما فيها الفترة التي قضيتها في الخارج فستوجب عليا أن أعمل التحليل، وخرجت النتائج لكن لم يتم إعلامي بها حتى انقضت خمسة عشرة يوما حيث قصدت المركز وأنا في حالة غضب شديد ! وتم تقديمي للبروفيسور الذي شرح لي الحالة والمرض وهدى من روعي وطمئنني بضرورة اتباع العلاج والحياة عادية كون لست الوحيد المصاب فهناك العشرات بل المئات مثلي.. ولا داعي للتشاؤم كون هناك أدوية تتيح لك فرصة العيش..
هل كنت تعرف المرض ؟
نعم كنت أعرف السيدا، ومن لا يعرف اسم السيدا، يمكن بالنسبة لنا أغلبية الجزائريين يعتبر اسم، لكن إنسان مصاب بالسيدا يعيش أمامك قد لا تصدق الواقع.. فقد يرى الكثير أن الأمر مجرد نكتة أو مزحة أن شخص من عائلتك أو من معارفك مصاب ! لأن المرض مزال من طابوهات.. وزد أن في دهن الأغلبية أن المريض معناه أنه إنسان محكوم عليه بالموت.. والواقع أن هناك أناس مرض يعيشون ويمارسون حياتهم بصفة عادية.. والأخطر أن هناك من لا يعلم بأنه مصاب لدى نصيحتي للجميع خاصة الناس الطائشين يلزم استعمال الواقي لحماية.. فالأمر لا يتطلب الخجل أكثر لذة 5 دقائق عذبها عمر بكامله.
قلت انك كنت على علاقة من فتاة ؟
في البداية كانت لي علاقات كثيرة بالإضافة كانت لي شقة مأجورة فأتيحت لي فرصة أن افعل أي شيء بل كنت أدخل الملاهي والمراقص، حتى تعرف على تلك الفتاة التي أحببتها..
هل مازلت على علاقة معها ؟ وهل هي على علم بمرضك ؟
الحقيقة من يوم عرفت أني مريض حذفتها من دهني نهائيا.. أنا أبدل جهد في أن التزم بالصلاة وفعل الخير وتوعية الناس لكي لا يقعوا في الخطأ مثلي.. وأنصح الناس بالزواج، رغم أن هناك من الأزواج من يخون زوجاتهم ويقعون في الخطأ فالمرض فيصيبون زوجاتهم وأولادهم من بعد..
أنت إنسان عادي.. حتى أنك تظهر كان غير مصاب.. أكيد لك رغبة في ممارسة الجنس ؟ ما هو تصرفك في النقطة هذه ؟
أكيد سأحمي شريكي، لأني وقعت في خطأ أعاني منه طول حياتي، واجب عاليا فهي مسؤولية أني أحمي، أحملك رسالة أن تقول للجميع مهما كانت مكان عملك أن تقول أن يحموا أنفسهم ! أبسط شيء شراء الواقي ببضع دينارات لحماية أنفسهم..
لماذا فضلت أن تتكلم معنا ؟
بكل صراحة لم أكن أن هناك وسائل إعلام تفتح المجال مثلكم لأن الكثير حتى الصحفيين يرون لنا بطريقة تحسسنا بالشفقة، وأن تكلمت لإيصال رسالة أن المرض خطير فالوقاية غير من العلاج وعلى الحاضر يبلغ الغائب.
تستمر جلستنا لكن مع مصابة هذه المرة وقصتها تختلف على المصاب ر. لكن في لبها واحد فالمرض لا يفرق بين أحد.
قصة ز. - حاملة فيروس الإيدز - للشهاب حكايتها مع المرض الذي أصيبت بالفيروس منذ 10 سنوات، وهي امرأة مكافحة فضلت أن تخلق من مرضها أملا لغيرها بدلا من أن تستسلم له وللحزن وتجعل من حياتها حكاية يرويها الناس بدافع الشفقة.
ترجع تفاصيل إصابتها بالفيروس إلى 10 سنوات بعد زواجها، حيث تقول ز. "شهران فقط من زواجي أصيب زوجي بحمى قوية وإسهال شديد، نقلناه إلى المستشفى وبعد فحوصات عديدة تبين أنه مصاب بمرض الإيدز، فاجعتي كانت لا توصف، من جهة لأن الذي أصيب زوجي ومن جهة أخرى لأنني وبطلب عاجل من الأطباء قمت بإجراء التحاليل التي تبين إنني احمل الفيروس..
كانت واقعة الفاجعة على ز. كبيرة، جعلت منها في الأيام الأولى تنفر من زوجها الذي وبطبيعة الحال تحمله المسؤولية "لم أكن أريد التكلم معه ولا أن يقربني، أحسست بخيانته لي حملته ذنب تضييع حياتي وكأنه حكم علي بالإعدام" تضيف ز. ولكن بعد ذلك تمسكت بالإيمان وسلمت أمرها لله وكانت نعم الزوجة، حيث اعتنت بزوجها طيلة مدة مرضه التي دامت 6 أشهر ثم انتقل إلى رحمة الله. قضت بعدها ز. قرابة السنة لا تخرج من بيت أهلها الذين تقول فيما يخصهم إنهم وقفوا إلى جانبها وعاملوها على أنها شخص عادي.
مرت الأيام وتمكنت ز. من الخروج من قوقعة الحزن وجعلت من محنتها محفزا للنهوض إلى الأمام. انخرطت بعدها في جمعية خاصة بحاملي ومرضى الإيدز، ومن ذلك اليوم أصبحت أيام ز. عبارة عن كفاح دائم تسعى من خلاله أن توصل للناس فكرة أن المصاب بمرض الإيدز إنسان عادي وليس وحشا يهربون منه، وأن العدوى لها سبل إذا تفاداها المرء لن يخشى شيئا وإن تهميش المجتمع لهده الفئة أمر لن يرضي الله "اللي فينا يكفينا..." ختمت لقاءها معنا.
ويبقى أكثر ما يعاني منه المصابون بالسيدا هو العزلة الاجتماعية المفروضة عليهم، وكل ظواهر التهميش الاجتماعي، أكثر من نقص العلاج، الذي استطاعت السلطات توفيره بقدر ما. فيستحيل على مصاب بالسيدا العلاج من أمراض مهما كانت بساطتها أمرا صعب المنال، لأن شبح السيدا يطاردهم أينما توجه، ويرعب كل من يقترب منه حتى أصحاب أنبل مهنة في التاريخ ـ الأطباء''• هذا جل ما تستخلصه من حديث بعض المصابين بداء السيدا بالجزائر، والذين يطمحون مثل البقية إلى العيش وسط مجتمع متفهم لمرضهم، غير نابذ لهم، لأن ذلك بالنسبة لهم عقابا ثانيا، باعتبار أن الإصابة في حد ذاتها عقاب أولي.
ويبقى التأثير على نفسية المرضى الهاجس الأول ولعل ما يحز في نفسيتهم عدم وجود قانون يحمي المصابين بهذا الداء. بقلم مريم